هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    العطاء.. حلية الفضلاء وريُّ المحرومين

    Admin
    Admin
    الإدارة


    عدد المساهمات : 103
    نقاط : 296
    تاريخ التسجيل : 04/01/2011

    العطاء.. حلية الفضلاء وريُّ المحرومين Empty العطاء.. حلية الفضلاء وريُّ المحرومين

    مُساهمة من طرف Admin السبت مايو 14, 2011 3:38 pm

    قدر الإسلام مكانة العطاء بالمال ودوره الحيوي في المجتمع، فوجدنا دعوته إلى الجود والإنفاق مستمرة دائمة، تفيض بها نصوصه فيضًا، كما وجدنا حربه على الشح والبخل عظيمة ممتدة، قال رسول الله صلوات الله وسلامه عليه "السخي قريب من الله، قريب من الناس، قريب من الجنة، بعيد عن النار، والبخيل بعيد من الله، بعيد من الناس، بعيد من الجنة، قريب من النار، ولجاهل سخي أحب إلى الله تعالي من عابد بخيل" (رواه الترمذي، وهو حديث ضعيف جدا، بحسب كلام غالبية العلماء، وحكم عليه بعضهم بالوضع).
    فأي دلالة تلك التي يمكن أن يعيها المسلم عن فضل السخاء والكرم إذا وصل الأمر أن يصبح الجاهل خير من العابد الصوام القوام حين يكون الأخير بخيلاً شحيحًا، ذلك أن عبادة لا تهدي صاحبها إلى بذل الخيرات، ونفع الآخرين، والحنوّ على الفقراء والمحتاجين هي عبادة فارغة المضمون، تشين صاحبها ولا تزينه عند الله، فإن شريعة الله لم تنزل لعباده إلا لتحقيق غايات نبيلة، وأخلاق كريمة يسعد بها بنو البشر جميعًا، ويأتي في الصدارة منها: تنشئة النفوس على فعل الخيرات، وإسداء المعروف، وبذل العون، لا ليسعد بها فاعلوها فحسب، بل لتنشر السعادة والأمان، ومشاعر الرأفة والحنان، وتوطِّد علاقات المودة والمحبة بين الناس على اختلاف طبقاتهم.

    نعمة وحلية:
    وإنه لشر ما بعده شر أن تتغلب طبائع الأثرة على الناس، فلا تهزهم السماحة إلى بذل، ولا إغداق النعم عليهم إلى الإنفاق، إذ ما بالك بمجتمع يعتاد أغنياؤه كنز أموالهم، وحرمان الفقراء حقوقهم المفروضة فيها من الزكوات والصدقات، إنه يصير غابة يزداد فيها الأغنياء تضخمًا وضراوة، ويتضوّر فيها الفقراء جوعًا ومسغبة، فضلاً عما يختلط بدماء المعدمين البؤساء عندئذ من الأحقاد والغل على أولئك الكانزين المترفين الممتلئين جشعًا وحرصًا.

    من أجل ذلك، كان رسول الله صلوات الله وسلامه عليه حريصًا علي تأصيل خُلُق الكرم في نفوس أصحابه الأبرار، وجعلها من الفضائل التي رغّب المسلمين في أن يتحلَّوا بها، ويتنافسوا فيها، فقال رسول الله صلوات الله وسلامه عليه : "لا حسد إلا في اثنتين، رجل أتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل أتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها" متفق عليه.
    فسوّى رسول الله صلوات الله وسلامه عليه بين إنفاق المال والسخاء به- إلى حد إهلاكه ونفاده- في الحق، وبين الحكمة والقضاء بها وتعليمها فيما ينبغي للمسلم ألا يغبط الآخرين إلا عليه، وذلك لما في البذل في سبيل الحق من وقع كبير، ونفع بالغ في حياة المسلمين الاجتماعية، فالمال عصب الحياة الحساس، وهلكته في سبيل الحق عمل عظيم لا يقل عن عبقرية ذي الحكمة الموهوب ونفعها للناس.

    وسيلة تآلف:
    وكان صلوات الله وسلامه عليه يدرك ما للمال من أثر في النفوس، فاتخذه وسيلة لتأليف القلوب واستمالتها للإسلام، ولا يستكثر أن يبذل الكثير الكثير في سبيل كسب جديد إلى صف الدعوة، لأنه يعلم أن هذا الذي تطلع إلى المال أول الأمر، لن يلبث الإسلام متى دخل في شغاف قلبه، أن يحوله إلى إنسان آخر يكون بذله للإسلام أحبّ إليه، وأسعد لقلبه من الدنيا وما فيها، وهذا ما تحدثنا به الوقائع والحقائق لا الخيالات والأوهام، يقول أنس بن مالك: أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ صلوات الله وسلامه عليه غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ، أَسْلِمُوا فَوَ اللَّهِ إِنَّ مُحَمَّدًا لَيُعْطِي عَطَاءً مَا يَخَافُ الْفَقْرَ. ثم قال أَنَسٌ: إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُسْلِمُ مَا يُرِيدُ إِلاَّ الدُّنْيَا، فَمَا يُسْلِمُ حَتَّى يَكُونَ الإِسْلامُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا"رواه مسلم.
    ولا عجب بعدئذ أن نجد في الجيل الأول من ارتفع إلى مستوى عالٍ من الجود، فإذا هو يجود بماله كله في سبيل الله، كما فعل أبو بكر رضي الله عنه، ومن يجود بنصف ماله كما فعل عمر رضي الله عنه، ومن يجهز جيشًا بأكمله كما فعل عثمان بن عفان رضي الله عنه، حتى قال رسول الله صلوات الله وسلامه عليه في مقالة ذات مغزى عميق: "مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ". مَرَّتَيْنِ (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).
    هذا المغزى مفاده: أن الفوز بخيري الدنيا والآخرة لا يحرزه إلا من نجح في قمع دوافع البخل في نفسه حتى عوّدها التكرم والعطاء، ويؤكده قوله تعالى: )وَأَنفِقُوا خَيْراً لأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) سورة التغابن : 16.
    ذلك أن البذل الواسع، والكرم الفائض من أعظم أسباب محو الذنوب، ومغفرة الخطايا، قال تعالى: )إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) سورة البقرة : 271.

    تيسير وشفاء ويقين:
    وتتضافر نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة في بيان وتأكيد أثر الصدقات العظيم في حاضر الإنسان ومستقبله ومعاده الأخروي، قال تعالى: (فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى* وصدق بالحسنى* فسنيسره لليسرى) سورة الليل: 5- 7فالتيسير يلازمه، والتوفيق يحالفه.
    وقال أيضًا صلوات الله وسلامه عليه : "حصّنوا أموالكم بالزكاة، وداووا مرضاكم بالصدقة" (رواه أبو داود في المراسيل، وضعفه السيوطي، والألباني)فالصدقة تدفع البلاء، وتجلب الشفاء.

    كما أنه ليس أشق على الشيطان، ولا أدحر لكيده، ولا أبطل لوسوسته، من إخراج الصدقات في سبيل الله، لما يعنيه هذا من يقين جازم وحازم بما يُدخَّر له عند الله من الثواب والأجر، قال تعالى: )الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) سورةالبقرة: 268.
    كن كريمًا ولو كنت فقيرًا
    إن المسلم الحق كريم مهما كان فقيرًا، ومهما كان عطاؤه قليلاً، فحسب الإسلام منه أن تموج في نفسه عاطفة الرحمة بمن هو أفقر منه، فجاءت نصوص عديدة تحض الفقراء على الإنفاق ولو بالقليل، بحسب استطاعتهم، لتبقى نفوسهم ريّانة بنداوة المشاركة الوجدانية لإخوانهم، ووعدهم الله، على نفقتهم مهما كانت يسيرة قليلة، أن يكافئهم عليها، ويُثمِّرها لهم، ويبارك فيها، قال تعالىSad وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (التوبة : 121).
    وأخبرنا صلوات الله وسلامه عليه أنه: "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يصعد إلى الله إلا الطيب، فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لأحدكم كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل"(رواه البخاري).
    وذلك لئلا تجف ينابيع الخير والرحمة والتعاطف بين أفراد المجتمع المسلم، بل ولقد حذر الرسول الكريم من الإمساك والإقتار مهما كان ما لديك قليلاً يسيرًا، لأن في ذلك مهلكة وبوارًا، قال صلوات الله وسلامه عليه : "اتقوا النار ولو بشق تمرة"(متفق عليه).
    المكارم يصنعها الكرماء:
    إن الكرم نعم الرصيد المذخور، قال رسول الله صلوات الله وسلامه عليه : "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث..". وذكر أولَهُن التكرم والبذل فقال: "صدقة جارية.."(رواه مسلم)، كما هو زين للمرء بين الناس، وستر لعيبه، وجبر لهفواته وهناته، يقول الإمام الشافعي:
    إذا كثرتْ عُيوبك في البَرايا وسرَّك أن يكون لها غِطاءُ
    تستَّر بالسَّخاء فكلُّ عَيبٍ يُغطِّيه كما قِيلَ السَّخاءُ


    ألا يدعونا ذلك أن نُعوّد أنفسنا الجود والعطاء، مهما كان ما نملكه قليلاً، لنظفر بخيري الدنيا والآخرة، اللذين لا ينالهما إلا من وُقِي شُحَّ نفسه، قال تعالى: (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون).


    ***************---منقول---****************
    المصادر:
    1- خلق المسلم، محمد الغزالي، الإسكندرية- دار الدعوة، ط 3، 1411هـ- 1990م، بتصرف.
    2- شخصية المسلم كما يصوغها الإسلام في الكتاب والسنة، محمد علي الهاشمي، بيروت- دار البشائر الإسلامية، ط10، 2002م – 1423هـ، بتصرف.
    3- ديوان الإمام الشافعي، محمد بن إدريس الشافعي.


      الوقت/التاريخ الآن هو الأربعاء مايو 15, 2024 5:18 pm